المسؤولية المجتمعية الحديثة

أ.حسين عبدالله نافع أخصائي ومدقق معتمد التطوع والمسؤولية المجتمعية
*المسؤولية المجتمعية * هي مفهوم ظهر منذ اربعينيات القرن الماضي نتيجة الممارسات السلبية والطغيان المادي للنظام الرأسمالي والغربي في الشركات والمصانع والاعلام في الثورة الصناعية والاجتماعية الغربية واضرارها على المجتمع وتلويثها للبيئة وتزايد مخاطرها على الأفراد صحيا" واقتصاديا" وثقافيا.. الخ ، وتركزت جهود الجهات الداعمة للبيئة وحماية المجتمع في ذلك الوقت على التقليل من الآثار السلبية لهذه المنظمات والقطاعات وتفعيل دورها المجتمعي للتقليل من ذلك وتعويض المجتمع بتقديم مبادرات تقود للإصلاح البيئي وتعزيز دور المجتمعات.
وظهر مصطلح من خلال هذه الجهود بعنوان (مسؤولية الشركات) ثم تطور الاهتمام بهذا الموضوع وتوسع وزاد تواجدا وفي عام 2000م وُضعت المصطلحات والمحتوى الخاص بالمسؤولية الاجتماعية في ملفات الاجتماعات وورش العمل حتى ظهرت لنا العديد من المنظمات المهتمة بالمجال ووضعت مجموعة من التعريفات والأهداف تتلخص في أهمية الالتزام الأخلاقي والمهنية للمنظمات ودورها الايجابي الفاعل نحو المجتمع والبيئة وتقليل ممارساتها السلبية نحوهما وكانت البداية في التركيز على دور القطاع الخاص من شركات ومصانع وقطاعات أعمال في ذلك ثم تطورت الأبعاد وشملت الاقتصاد مع المجتمع والبيئة لتصبح ثلاثية المسؤولية الاجتماعية وصدرت المواصفة الاسترشادية للمسؤولية المجتمعية ISO 26000 وتوسعت دائرة المطالبات لتشمل دور القطاع الحكومي (العام) والقطاعات غير الربحية وتحديد ادوار أكثر دقة في المسؤولية الاجتماعية لكل قطاع والتكامل بينها وظهرت مصطلحات تكاملية مع مصطلح المسؤولية الاجتماعية مثل أهداف التنمية المستدامة والاستدامة مع التناغم مع مصطلحات العمل الخيري ، التطوع ، الشراكة المجتمعية ، خدمة المجتمع وكلها تدور في فلك التعزيز للادوار الإيجابية نحو المجتمعات والبيئة والاقتصاد والتوصية بتعديل المسمى من المسؤولية الاجتماعية الى المسؤولية المجتمعية للشمولية لغويا" .
المسؤولية الاجتماعية (المجتمعية) في المملكة العربية السعودية المملكة بحمد الله تعالى رائدة في المبادرات والممارسات المجتمعية منذ التأسيس ومنذ انطلاق رؤية المملكة 2030 , أصبحت ضمن المستهدفات الأساسية في ركائز الرؤية الثلاث: مجتمع حيوي وطن طموح اقتصاد مزدهر , وأصبحت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المشرّع لهذا المجال والمظلة الرسمية وصدرت اللوائح المنظمة والتشريعات لقطاعات الأعمال لتفعيل وتعزيز دورها في المسؤولية المجتمعية وإلتزامها الأخلاقي تجاه المجتمع والبيئة والاقتصاد وظهرت نتائج الأرقام التي تقدم الصورة المشرقة للمسؤولية الاجتماعية في بلادنا الغالية في التقارير الوطنية والدولية ولتعزيز دور المملكة الرائد عقد الملتقى الدولي الأول للمسؤولية الاجتماعية برعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في نهاية عام 2024م ، تأكيدا" للدور الرائد للمملكة العربية السعودية في هذا المجال ومن إنجازات المملكة في المسؤولية الاجتماعية (المجتمعية) وبعبارة "قصة تحول وتمكين ملهمة"، أولت المملكة اهتماماً بتمكين المسؤولية الاجتماعية ووضعها كهدف استراتيجي في رؤية السعودية 2030، يتمثل في "تعزيز قيام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية"، وتم تطوير ممكنات وأدوات التحول العملي للمسؤولية الاجتماعية للشركات التي كان أبرزها: تشكيل لجنة للمسؤولية الاجتماعية بقرار من مجلس الوزراء الموقر، وبناء استراتيجية للمسؤولية الاجتماعية، وإطلاق المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية لقيادة التحول وإعلان يوم 23 مارس من كل عام يوماً للمسؤولية الاجتماعية، وإبراز مبادرات القطاع الخاص، وإصدار دليل الشركات للمسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى تطوير مؤشر المسؤولية الاجتماعية في السوق السعودي، وتحديد هوية وطنية مشتركة للمسؤولية الاجتماعية. وإصدار مواصفة مقاييس وطنية للمسؤولية المجتمعية Saso 2990- 2022 والمزيد من الممكنات الاثرائية المميزة وهذه الجهود انعكست على نمو نسبة مساهمات الشركات من إجمالي الإنفاق الاجتماعي من 1.19% في عام 2019لتحقق 4.15% بنهاية عام 2023، وارتفاع نسبة عدد الشركات الكبرى التي تقدم برامج ومبادرات للمسؤولية الاجتماعية من 30% في عام 2019 إلى 65% بنهاية عام 2023، إضافة إلى تقدم المملكة في المراتب العالمية؛ أبرزها تحقيق المرتبة الـ16 عالميًا في مؤشر (المسؤولية الاجتماعية) في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية IMD للعام الحالي 2024، إذ كانت المملكة عام 2021م تحتل المرتبة 41، وتتواصل مسيرة تطوير المجال والإنجازات يوما" بعد يوم وتشمل مع القطاع الخاص القطاع الحكومي والمنظمات غير الربحية من خلال برامج تحقيق الرؤية الأحد عشر.
المسؤولية المجتمعية الحديثة